عشره خمستين

تفتكر إيه هي أكتر كلمة بتقولها على مدار اليوم؟...........................طبعا الهدف من النقط دي إني أديلك فرصة تفكر........................................................شوية كمان؟ حاضر....................... ............ ........ .... ... .. . (النقط خلصت!)

برغم إن كل يوم في حياتي يختلف عن اليوم اللي قبله..وبالتالي الكلام اللي بقوله كل يوم بيكون شوية مختلف عن اليوم اللي قبله..ولكني لاحظت إن أكتر كلمة بقولها على مدار اليوم هى كلمة...."جنيه"... سواء رضينا أو لم نرضى..وافقنا أو لم نوافق..حبينا أو لم نحب..برغم كل شئ ستظل الفلوس هي محور حياتنا.

الظروف الاقتصادية الصعبة (إلى حد ما) التي يمر بها معظم أبناء شعبنا الجميل أثرت بشكل مباشر على حياتنا الاجتماعية..ولعلك لاحظت أن الجملة السابقة لا تمثل أي إضافة إلى أي قارئ على أي مستوى ثقافي نظرا لأنها بديهية جدا..وعشان كده هحاول أتكلم عن الأبعاد الغير المرئية في الانعكاسات الإجتماعية للمشكلة الإقتصادية.

برغم أن المواطن المصري مشهور بكرمه وتعاونه..إلا أن هذا الكرم يتوقف دائما عندما يظهر الجانب المادي في التعامل..جرب مثلا تروح أي كشك وتطلب منه على سبيل المثال فكة عشرة خمستين..فبرغم ان طلبك هو عبارة عن صفقة متبادلة متكافئة إلى حد بعيد..إلا أن الطلب يقابل دائما بعبارة "لا والله"..وأعتقد -والله أعلم- أن استخدام القسم هنا لا يفيد التوكيد ولكنها كلمة تخرج بشكل لا إرادي للتعبير عن أسفه أو تعاطفه مع حالتك.


وأنصح أي واحد يواجه عبارة "لا والله" ويلاقي نفسه فجأة في مجتمع صحيح للغاية (خالي من الفكة)..إنه يحاول يطور إسلوبه في البحث عن الفكة..فهناك حكمة مشهورة تقول "لو فضلت تعمل نفس الحاجة كل مرة،وكل مرة تستنى نتيجة مختلفة..يبقى إنت كده راجل برنس".
أعتقد أن مصر هي الدولة الوحيدة التي قد تضطر فيها لشراء الفكة..بمعنى أنه لكي تحصل من البائع على فكة خمسة..لازم تشتري علبة مناديل..ولو عايز فكة عشرة يبقى مبروك عليك الهولز..أما لو عايز فكة عشرين يبقى كانز وانت طالع..وتلاحظ ارتفاع منطقي في سعر الفكة فعلبة مناديل نادرا ما تصلح لفك العشرة جنيهات.

وبمجرد أن يعرف البائع إنك عايز تشتري، يتحول من حالة الخمول العقلي والموت الإكلينيكي التي صاحبت كلمة "لا والله"..إلى نشاط ذهني رهيب..ويتحول عقله إلى بروسيسور بنتيوم فور ليذهلك بكم هائل من الحسابات المعقدة في جزء من الثانية..ويقدم لك عدة حلول تنافس حلول بنك كريدي أجريكول على طريقة "معاك جنيه وربع وتاخد خمسة"..أو "معاك نص جنيه وتاخد علبة كبريت وكيس شيبسي ويبقالك عشرة "..نصيحة اختر أسهل العروض من غير ما تحسب وراه ثم اسأله في براءة "خلاص كده؟" هيرد بثقة "خلاص كده".


موضوع الفكة يعبر عن خوف المصري من المجهول فربما يحتاج إلى هذه الفكة ولا يجد من يرد له الجميل ويمكن تفسيره على أن الظروف الاقتصادية جعلت المصري أكثر غلاسة..فقد ظهر في الفترة الأخيرة الجنيه في هيئة عملة معدنية ويعتبر ظهور هذا الجنيه المعدني في أي وسيلة مواصلات إنذارا بنشوب خلاف بين الراكب الذي يرفض الجنيه الفضي عشان مش بيحب يمشي "يشخلل"،وبين البائع الذي يقدم مبررا منطقيا إنه أخد الجنيه ده من زبون لم يكن يعاني من الشخللة.


والواقع أن مشكلة الجنيه الفضي لها جذور تاريخية..فمع بدايات القرن الحالي أصدرت الحكومة عملات ورقية فئة العشرة أو الخمسة قروش، وقوبلت البريزة الورق برفض شعبي عارم بحجة إنها مش بتتصرف..لدرجة أن مجمع اللغة العربية أضاف اسم بريزة ورق إلى الأسماء الممنوعة من الصرف..وهكذا وضع الشعب العربة أمام الحصان..يعني هل المواطن رفضها عشان هي مش بتتصرف..ولا هي مش بتتصرف عشان المواطن رفضها؟
الحكومة لم تقحم نفسها في هذا الجدل ولكنها درست نفسية المواطن واستنتجت أن الشعب المصري رفض البريزة الورقية لأنه شعب معدني يؤمن بأن الناس معادن وبالتالي لا يقبل إلا ما هو معدن..وبناء عليه ظهر الجنيه المعدني ليقابل بنفس الرفض وهو ما أعطى انطباعا سلبيا عن علاقة الشعب بحكومته وكأن المصري قد أهدى الحكومة أغنية محمد فؤاد "صعب تاني نحب بعض..صعب نفهم تاني بعض"..وندعو الله ألا ترد الحكومة بأغنية "طيب طيب..صبرك حبة ماعرفت خلاص إيه فيها!!".


أما الخمسة قروش المصرية فتنفرد بميزة مش موجودة في أي عملة على وجه الأرض..الشلن المصري هو العملة الوحيدة التي تصدر في ثلاث أشكال..فهناك الشلن الفضي والشلن الورقي والشلن ال "تشكلتس" الذي يصدره القطاع الخاص في إطار آليات اقتصاد السوق الحر..وكلمة الحر هنا تعني أن المواطن حر في اختيار عملته فمن الممكن أن تتعامل بشلن بطعم الموز أو بطعم النعناع وهو يعبر إلى حد ما عن أصالة هذا الشعب الذي مازال مرتبطا بتاريخه الذي يمتد إلى عصر المقايضة وربما يصدر القطاع الخاص في المستقبل النص جنيه البيضة..والجنيه الدوريتوس.



منقول

شكر يا هدير ديما منوره توبيكاتى
ونورتى التوبيك يا حوريه
وشكرا على المرور

توبيك رائع يا حاتم

تسلم ايدك